موضوع: نظرات فى غزوة تبوك 4 الأربعاء يوليو 22, 2009 5:25 am
الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه ، وعلى آله ، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وسلم تسليمًا كثيرًا-. أما بعد ، عباد الله : ها قد عشتم بعد أحداث غزوة تبوك التي انتهت -كما عرفتم- بنصر المؤمنين ، ولئن انتهت ، فما انتهى نورها ، و ما انتهت دروسها وعبرها ومواعظها ، ففي كل حديث منها قصة، و في كل قصة عظة وعبرة ، و في كل ذكرى منها موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع ، هل يكفي سرد أحاديث الماضي ، والتغني بالذكر الغابر ؟ هل يجزي هذا ، و قد تشابكت بأمة الإسلام -في هذه الأعصار- حلقات من المحن ، و تقاذفتها أمواج من الفتن ، وصيح بهم من كل جانب ، و تداعى عليهم الأكلة من كل فج . لابد أن نستفيد مما مضى ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُّفْتَرَى ) فهاكم بعض دروسها وعبرها ، علَّ الله أن يجعلنا و إياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .
وأول هذه الدروس : أن هذه الأمة أمة جهاد ، و مجاهدة ، و صبر ، ومصابرة ، و متى ما تركت الجهاد ، ضُربت عليها الذلة والمسكنة . دعِ المِـداد و سطِّر بــالدَّمِ القانِي *** و أسكتِ الفَمَ و اخطبْ بالفمِ الثَّـانِي فَــمُ المدافعِ في صدرِ العـداة لهُ *** منَ الفصاحةِ مـا يُذري بسـحبانِ
وثانيها: أن الله تعالى ، كتب العزة و القوة لهذه الأمة ، متى ما صدقت وأخلصت. فها هي دولة الإسلام الناشئة ، تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه ، و تنتصر عليه ( وَ لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ ) و من هذه الدروس : أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة ، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة ، إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً و لأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ )
و منها : أن مواجهة الأعداء ، لا يشترط فيها تكافؤ القوى . يكفي المؤمنين أن يعدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة ، ثم يثقوا بالله ، و يتعلقوا به ويثبتوا ويصبروا ، وعندها يُنصروا . فها هو سلفهم [ابن رواحة] يقول: والله ما نقاتل الناس بعَدد ، ولا عُدد ، و ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به . و منها أن الحق لابد له من قوة تحرسه ، لا يكفي حق بلا قوة . فما هو إلا الوحيُ أو حدُّ مُرهَف *** تقيم ظباه أخدعيْ كل مائلِ فهذا دواء الداء من كل جاهل *** و هذا دواء الداء من كل عاقلِ دعا المصطفى دهرًا <بمكة> لم يُجَب *** و قـــد لان منه جانب وخطاب فلما دعا و السـيف بالكف مسلط له *** أسـلموا و اسـتسـلموا و أنابـوا
و منها : أن الأعداء لن يَرْكنوا إلى السكون ، و لن يصرفوا أنظارهم عن دولة محمد -صلى الله عليه وسلم- سابقًا و لاحقًا ، فهم يُجمعون أمرهم و شركاءهم ، و يُعمِلُون مكرهم و دسائسهم ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) في نهاية هذه الغزوة هاهي مؤامرة دنيئة يقوم بها أدنياء سفلة عددهم اثنا عشر شقيًا منافقًا تواطئوا على قتل محمد -صلى الله عليه وسلم-. و تنفيذ الخطة -في تقديرهم- بمضايقته في عقبة في الطريق إلى <تبوك> ليسقط من على راحلته فيهلك -على حد زعمهم- ، و يصل إلى العقبة تَحُفُّه عناية الله ورعاية الله ، [حذيفة] آخذ بخطام ناقته ، و [عمار] يسوقها ، و إذ بالأشقياء يعترضون الناقة لينفذوا مخطط الشقاء و العار ، فيصرخ فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فيولوا مدبرين ، و يحفظ الله سيد المرسلين ، و ينزل الله قوله في المنافقين ( وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) و يرسل بعدها -صلى الله عليه وسلم- عليهم سهمًا إلى الحي القيوم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؛ إذ يدعو اللهَ عليهم أن يهلكهم ، فيصاب كل واحد منهم بخُرَّاج يخرج في ظهر الواحد منهم ، و يدخل إلى قلبه ؛ فلم ينجُ منهم أحد ؛ فإلى جهنم ، وبئس القرار . و من دسائس أعداء الله أنهم أرسلوا [لكعب بن مالك] -رضي الله عنه- يوم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهجره أرسلوا إليه يقولون له : بلغنا أن صاحبك جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان و لا مضيعة ؛ فالْحقْ بنا نُواسِك ، لكن [كعبًا] مؤمن علم أن هذا من الابتلاء ، فيمَّمَ التنور ، فأوقده بالرسالة ، ( وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) .
عباد الله : هذا هو ديدن أعداء الإسلام في الغابر و الحاضر في كل زمان و مكان ، يتحسسون الأنباء و يترصدون و يتربصون بالإسلام و أهله ، و كم من أقدام في مثل هذا ذلَّت! ، وكم من أرجل في مثل هذه الأوحال قد انزلقت ! ، أما كعب فيمَّمها التنور و سجَّرها ، و كم في الأمة من أمثال كعب !. فدت نفسي و ما ملكت يميني *** فوارس صدقت فيهم ظنوني و من هذه الدروس : إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرةٍ أقوى و ألف مهند ، قضى الله أنه متى ما حادت الأمة عن عقيدتها ، و تعلقت بهذا أو بذاك إلا و تقلبت في ثنايا الإهانات و النكبات و النكسات حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها . من يتق الله و ينصر دينه *** لابد في ساح المعارك يُنصَر ألا و إن من أعظم الدروس ، و ليكن الأخير من غزوة <تبوك> -و المسلمون يمرون بأحداثهم المعاصرة و متغيراتهم الحثيثة- إنه الدرس الجامع الذي يكون من محراب الجهاد و كفى . من محرابه تنطلق قوافل المجاهدين . بالجهاد ترد عاديات الطغيان ؛ فيكون الدين لله ، و لا تكون فتنة . جهاد بالنفس و المال و اللسان و السنان، و يبقى دين محمد -صلى الله عليه وسلم- مهيمنًا .
Why not
نقاط : 1824 تاريخ التسجيل : 08/06/2009
موضوع: رد: نظرات فى غزوة تبوك 4 الإثنين أغسطس 31, 2009 8:09 pm