موضوع: نظرات فى غزوة تبوك 1 الأربعاء يوليو 22, 2009 4:52 am
إنَّ الحمد لله ، نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يَهْدِه الله فلا مُضلَّ له ، و من يُضلل فلا هادي له ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، و هو على كل شيء قدير ، و أشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله ، أرسله الله رحمةً للعالمين ، فشرَح به الصدور ، وأنار به العقول ، وفتح به أَعْيُنًا عُمْيًا وآذانًا صُمًا وقلوبًا غلفًا ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان و سلم تسليمًا كثيرًا . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعـد ، عباد الله : أوصيكم و نفسي بتقوى الله ، و أن نقدم لأنفسنا أعمالاً تُبَيِّض وجوهنا يوم نلقى الله ، ( يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ثم اعلموا علم يقين أن حكمة الله اقتضت أن يكون الحق و الباطل في خلاف دائم ، و صراع مستمر ، إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، كل ذلك ليميز الله الخبيث من الطيِّب ، فمنذ بَزَغَ نجم هذا الدين و أعداؤه من يهودٍ و نصارى و مشركين يحاولون القضاء عليه بكل ما يستطيعون ، ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) حاول أعداء هذا الدين القضاء عليه في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم ـ فما أفلحوا ، وحاولوا في عهد الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم- فما أفلحوا ، ثم في العصور المُتَأَخرة إلى وقتنا هذا و هم يحاولون دائبين ؛ بالعنف و الصراع المُسلح تارة ، و بالمكر والخداع و الخطط و المؤامرات تارة أخرى ، ولسنا مجازفين -والله- عندما نقول ذلك ؛ فالله يقول : ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا ) والله جل وعلا يقول : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) هذه شهادة الله على أعدائنا بما يريدونه منا ، و أَيُ شهادة أعظم من شهادة الله و أصدق . والتاريخ في ماضيه و حاضره يشهد بذلك ، لكن أنَّى لهم أن يفلحوا ما تمسَّكنا بكتابنا وسُنَّةِ نبيِّنا محمد- صلى الله عليه وسلم- . كلُّ العِـدَا قَدْ جَـنَّدوا طَاقَاتِهِم *** ضِدَّ الهُدَى والنُّورِ ضِدَّ الرِّفْعَةِ إِسلامُنا هُـَو دِرْعُـنَا وَسِـَلاحُنَا *** و منارنا عَبْرَ الدُّجَــى فِي الظُّلْمَةِ هُـَو بِالعَـقِيدةِ رَافِعٌ أَعْلامَهُ *** فَامْشِي بِظِلِّ لِوَائهَـا يَا أُمَّتِي لا الغَـْربُ يَقصِد عِزَّنَا-كَلا- وَ لا *** شَــرْقُ التَحَلُّلِ ، إنَّهُ كَالحَـيَّةِ الكُلُّ يَقْـصدُ ذُلَّـنَا و هَوَانَنَا *** أَفَغَـيْرُ رَبِّي مُنْقِـذٌ مِنْ شِدَّةِ ؟
عبادَ الله : يوم يُقلِّب المرء صفحات الماضي المجيد ، ويتدبر القرآن الكريم ، ثم ينظر لواقعنا ، ويقارنه بماضينا يتحسر ، يتحسر يوم يَجِد البَوْن شاسعًا و الفرق عظيمًا ، يتحسر يوم يرى تلك الأمة و قد كانت قائدة و إذا بها قد أصبحت تابعة ، ثم يدرك أن السبب هو بُعدنا عمَّا كان عليه أسلافنا ، ويتساءل المرء متى ينزاح هذا السواد الحالِك من الذل و المسكنة متى يَنْبَرِي للأَمَّة أمثال خالد و [صلاح] و [القعقاع] ؟ ، متى تُحيَا في القلوب آل عِمران و الأنفالُ و بَرَاءة ؟ ( قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ) و إنَّا لنرجُو اللهَ حتَّى كأنَّما *** نَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللهُ صَانِعُ عَودًا والعَود أحمد ، عَودًا سريعًا إلى الماضي المجيد لنستلهِم منه الدروس والعبر في هذا الحاضر العاثر ، عَودًا لسيرة من لم يطْرِق العالم دعوة كدعوته ، ولم يُؤَرِّخ التاريخ عن مُصلِح أعظم منه ، ولم تسمع أُذن عن داعية أكرم منه رُوحِي الفِدَاءُ لِمَنْ أَخْلاقُهُ شَهِدَتْ *** بِأَنَّهُ خَـيْرُ مَبْعُـوثٍ مِنَ البَشَرِ عَمَّتْ فَضَائِلُهُ كُلَّ البِـــلادِ كَمَا *** عَمَّ البَرِيَّةَ ضوء الشَّمسِ وَ القَمَرِ صلوات الله وسلامه عليه ، ما هَطَلَتْ الغمائم بتهتان المطر ، وما هَدَلَتْ الحمائم على أفنان الشجر ، العَيْش في سيرته عَيْشٌ رَغِيد سعيد ؛ هِداية و نور و حضور و بِشْر و سرور، ما أحرانا و نحن في هذه الأيام العَصِيبة أن نخترق أربعة عشر قرنًا ؛ لنعيش يومًا من أيام محمد -صلى الله عليه وسلم- ، بل ساعة من سُوَيْعاته الثمينة ، لنأخذ العِبرة و الدروس من تلك الساعة في هذه الساعة : اقرءوا التَّارِيخَ إِذْ فيه العِــبَرْ *** ضَلَّ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الخَــبَرْ عَوْدًا بكم إلى السنة التاسعة للهجرة ، والعود أحمد ؛ لنعيش معكم أحداث غزوة العسرة التي تساقط فيها المنافقون ، وثبت فيها المؤمنون ، وذَلَّ فيها الكافرون ، ما السبب وما الأحداث ؟ ما آيات النبوة فيها ؟ ما الدروس المستفادة ؟ إليكموها ، فاسمعوها وعُوها واعتبروا بما فيها ، واسألوا التاريخ عنا كيف كنا ؟ نحن أسسنا بناءً أحمديًا . بلغ النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت ، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم ؛ لكونه قد أذاقهم مرارة غزوة <مؤتة> التي جلبوا لها مائتيْ ألف ، ولم يتمكنوا من إبادة ثلاثة آلاف مقاتل ؛ بل ولا هزيمتهم ، فيا للَّه !! كنا جبـالا في الجبـال و ربمـا *** صـرنا على موج البحـار بحـارا عند ذلك أعلن النبي- صلى الله عليه وسلم- ولأول مرة عن مقصده ، وأعلن التعبئة العامة فتجهز أقوام و أبطأ آخرون ، تجهز ثلاثون ألف مقاتل قد باعوا أنفسهم من الله ، وأعلنوا نصرة لا إله إلا الله . تساقط المنافقون ، ومن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلا . هاهو أحد المنافقين يقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- له : هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الروم فيقول : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني ؛ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء منِّي ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر . فَرَّ من الموت وفي الموت وقع ، أعرض عنه- صلى الله عليه وسلم- وعذَره ، لكن الذي يعلم خائنة الأعين ، و الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ -وأذلَّه- وأنزل فيه قرآنًا يُتلى . ( وَ مِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي وَ لاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) و يتخلف أناس آخرون عن الخروج ، لا رغبةً بأنفسهم عن نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لكن غلبتهم نفوسهم لصعوبة الظرف واشتداد الحرب . قد آن أوان الرطب وظلال الأشجار ، فاعتذروا بعد عودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و قَبِل عُذْرَهم ، وتاب الله عليهم وأرجأ توبة ثلاثة منهم امتحانًا لهم فَمُحِصُوا حتى ( ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَلاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّه تَّوَّابُ رَّحِيمُ ) يأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون ، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة ، و عز عليهم التخلف ، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة ، فأتَوْا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون : يا رسول الله لا زاد ولا راحلة ، ويبحث لهم- صلى الله عليه وسلم- عن زاد و راحلة فلا يجد ما يحملهم عليه فيرجعوا . ( وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ) بالله ظلّ السيف للمسلم مثل ظل حديقة خضراء ، تنبت حولها الأزهار ، وتدنو ثمار المدينة ويشتد الحر ، ويبتلي الله من يشاء من عباده ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) و يخرج- صلى الله عليه وسلم- و يستخلف على أهل بيته عليًا - رضي الله عنه- ويخيم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في <ثنية الوداع> و معه ثلاثون ألفًا ، و يأتي المنافقون الذين لا يتركون دسائسهم و إرجافهم على مر الأيام ، يلاحقون أهل الخير والاستقامة ، يلمزون و يهمزون و يتندرون و يسخرون ، سخر الله منهم ، و يستهزئون ، و الله يستهزئ بهم ، يأتون إلى عليٍّ- رضي الله عنه- ويقولون : ما خلفك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استثقالا لك ؟ يريد التخفف منك ، و عليٌّ بَشَرٌ تأثَّر لذلك ، ولبس دِرعه ، وشَهَرَ سيفه يريد الجهاد في سبيل الله ، ويلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعتنق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقول : يا رسول الله زَعَم الناس أنك استثقلتني فخلفتني في النساء والصبيان فتهراق دموعه- صلى الله عليه وسلم- ويقول : " كذبوا يا عليُّ فاخلفني في أهلك وأهلي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟! إلا أنه لا نبي بعدي" . فيقول بلسان الحال: بلى رضيت ، بلى رضيت ، وعاد عليُّ -رضي الله عنه-. يَدعُـو جَهارًا: لا إلهَ سِوى الذِي *** خَلَقَ الوُجُـودَ وقَـدَّرَ الأقْـدَارَا . و قبل مسير الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- تقوم فرقة للصَدِّ عن سبيل الله ، تُثبِّط الناس بعد أن اجتمعوا في بيت أحدها ، تقول- و هي تزهد في الجهاد- : لا تنفروا في الحَرِّ ، تشكك في الحق وترجف برسول الحق ، ويتولى الحق -سبحانه- الرد : ( و َقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) هم في مؤامرة الصَدِّ عن سبيل الله ، ويأمر- صلى الله عليه وسلم- بإحراق البيت عليهم ، ويُنَفِّذُ ذلك الأمر [طَلْحَةُ] - رضي الله عنه- فيقتحمون الأسوار خوفًا من نار الدنيا ، فتنكسر رِجل أحدهم ، و يفِرُّ الباقون ، و يَعِزُّ جُنْدَ الحق رغم أنوفهم ، و يخيب كل منافق خَوَّان . ويتوجَّه- صلى الله عليه وسلم- و يمر بديار <ثَمُود> ، و ما أدراكم ما تلك الديار ! ، ديار غضب الله على أهلها ، فتلك بيوتهم خاوية ، و آبارهم معطَّلة ، و أشجارهم مقطَّعة ، فيدخلها و قد غطَّى وجهه ، و هو يبكي ، و يقول لجيشه :" لا تدخلوها إلا باكين أو مُتباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم". .
Why not
نقاط : 1824 تاريخ التسجيل : 08/06/2009
موضوع: رد: نظرات فى غزوة تبوك 1 الإثنين أغسطس 31, 2009 8:07 pm