اللعب والتعليم يعرف اللعب التربوي أو أسلوب التعلم باللعب بأنه استغلال أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة و تقريب مبادئ العلم للأطفال و توسيع آفاقهم المعرفية ، وإنه لون من النشاط الجدي أو العقلي يستخدم كمتعة بهدف معرفي يؤدي إلى الكسب و التطور والاكتشاف ، كما انه عامل مهم جدا في نماء الطفل و تعلمه , فهو يتصل اتصالا مباشرا بحياته , بل إنه يشكل محتوى حياته و تفاعله مع بيئته , إذ يمكن الطفل من اكتساب معرفة شخصية لا تضاهيها المعرفة المجردة التي يحصلها عن طريق السرد و الإلقاء00
وقد أجمعت العديد من الدراسات و الأبحاث التربوية و النفسية على اعتبار اللعب ضرورة بيولوجية , و نشاطا أساسيا لتكوين شخصية الطفل , بل يذهب بعض خبراء التربية إلى أنه وسيلة التعلم الوحيدة خلال الخمس سنوات الأولى.
آثار اللعب و فوائده:
إن أول ما يمنحه اللعب للطفل هو فرصة الانفلات من قيود واقعه المادي , والتحرر من الواقع المليء بالالتزامات و القيود , و الإحباط و القواعد و الأوامر و النواهي , لكي يعيش أحداثا كان يرغب في أن تحدث له و لكنها لم تحدث , أو يعدل من أحداث وقعت له بشكل معين و كان يرغب في أن تحدث له بشكل آخر إنه انطلاقة يحل بها الطفل , ولو وقتيا , التناقض القائم بينه و بين الكبار المحيطين به , ليس هذا فحسب , بل إنه انطلاقة أيضا للتحرر من قيود القوانين الطبيعية التي قد تحول بينه و بين التجريب , و استخدام الوسائل دون ضرورة للربط بينها و بين الغايات أو النتائج ، إنه باختصار فرصة للطفل كي يتصرف بحرية دون التقيد بقوانين الواقع المادي أو الاجتماعي ، هذا بالإضافة الى فوائد أخرى عديدة منها :
1. من الناحية الجسمية : يحقق اللعب للطفل نموا جسميا سليما من خلال تقوية العضلات , و تصريف الطاقة الزائدة , و تنمية المهارات الحركية , و إحداث التكامل الضروري بين وظائف الجسم الحركية و الانفعالية و العقلية00
2. من الناحية العقلية : اللعب سلوك مهم لتحقيق النضج العقلي , و تنمية التفكير الإبداعي عند الطفل لما يتيحه من إمكانيات الخيال و التخمين و الاستكشاف و التساؤل00
3. من الناحية النفسية : توزع على كافة نواحي نمو الطفل و يمكن إجمالها على الشكل الآتي: يمكن اللعب الطفل من السيطرة على قلقه , و مخاوفه , و الصراعات النفسية التي تعتمل بداخله,فهو مجال للتنفيس عن الانفعالات التي تنجم غالبا عن القيود التي يفرضها عليه عالم الكبار 00
4. من الناحية الخلقية: يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي و المعنوي للطفل من خلال تعويده على معايير السلوك الأخلاقية كالصدق , والأمانة, وضبط النفس, والاجتهاد , و تقدير الآخر, و احترام مبدأ الاختلاف , و الإحساس بشعور الآخرين ...إلخ00
5. من الناحية الاجتماعية: يكسب اللعب الطفل قيما و مهارات ضرورية للنمو الاجتماعي السليم, كتعلم النظام , و إدراك أهمية العمل الجماعي , وتقدير المصلحة العامة , وتعرف أنماط السلوك الاجتماعي الملائمة لكل موقف00
6. من الناحية التربوية: يذكي اللعب رغبة الطفل في التعلم , كما ييسر انخراطه بسهولة في المسار التعليمي شرط أن يكون موجها من لدن الفاعل التربوي00
ويرتبط تنوع الألعاب من حيث شكلها و مضمونها و طريقة أدائها بخصائص المرحلة العمرية,كما يرتبط بالظروف الاجتماعية و الثقافية المحيطة بالطفل ، و يمكن حصر أهم أنواع اللعب كما يلي:
1. اللعب التلقائي: شكل أولي من أشكال اللعب , يمتاز بالتلقائية وعدم التقيد بأية قواعد أو مبادئ منظمة00
2. اللعب التمثيلي: يسمى كذلك لعبا رمزيا و إيهاميا , و يتسم بتقمص شخصيات الكبار وسلوكياتهم , فتصبح الدمية أما أو أبا , و تصبح العصا حصانا ، وأهم ميزات هذا اللعب أنه ينمي مقدرة الطفل التخيلية و الإبداعية من خلال اجتهاد الطفل في إضفاء مسحة الواقعية على لعبه متأثرا في ذلك بالوسط الذي يعيش فيه00
3. اللعب التركيبي و الإنشائي: يهيمن هذا النوع من اللعب على المرحلة المتأخرة من الطفولة و يتسم بكونه أقل إيهامية و أكثر بنائية حيث يضع الطفل خطة للعب , و يسمي عناصر اللعبة ، ولهذا اللعب دور مهم في تنمية مهارات لها علاقة بالتفكير العلمي كالمقارنة و التنبؤ و الملاحظة و التحليل و التصنيف , كما ينمي مفاهيم أساسية في الرياضيات كالمساحة و الطول والتسلسل و الأعداد00
4. اللعب الفني: جزء من اللعب التركيبي , لكنه يمتاز بأنه نشاط تعبيري فني يتيح للطفل فرصة التعبير عن مشاعره , و يمنحه الثقة بقدراته , و ينمي فيه خصائص التذوق الجمالي00
5. اللعب الترويحي و الرياضي: يمارسه الطفل ابتداء من عامه الثاني , وهو عبارة عن ألعاب بسيطة توصف غالبا بألعاب الأم لأن الطفل يلعبها في الغالب مع أمه , ثم مع أولاد الجيران ، وهذا اللعب ذو قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية , فمن خلاله يتجاوز الطفل أنانيته و ينمي حسه الاجتماعي من خلال المشاركة و التعاون و احترام الآخر و الاندماج في المجموعة و التدرب على الأخذ و العطاء00
6. اللعب الثقافي: تشمل سلسلة الأنشطة التي تتيح للطفل إمكانية التثقيف , و اكتساب المعلومات والخبرات, وأهمها برامج الأطفال الإذاعية و التلفزيونية , ومسرح الطفل , وبعض ألعاب الفيديو و الحاسب00
الألعاب التربوية :
يرجع تاريخ الألعاب التربوية إلى القرن السادس قبل الميلاد حين ابتكر سكان شبه القارة الهندية لعبة الشطرنج , ثم تطورت اللعبة فيما بعد لتستخدم في وضع و تطوير الخطط الحربية , حين استبدل القادة العسكريون قطع هذه اللعبة بالجنود و الدبابات و الضباط خلال الحرب العالمية الثانية وأصبحت لوحة اللعب خريطة أو تصميما لمعركة بعد الحرب , ومع ظهور الحاسب , بدأ رجال الإدارة و الأعمال و الاقتصاد يستعملون الألعاب لتوضيح العمليات التي تحدث في هذه المجالات للعاملين بغرض إنجاز العمل بسرعة و دقة متناهية ، و اتسع المجال بعد ذلك ليتم إدماج الألعاب التربوية في مجالات العلوم السياسية لطلبة الدراسات العليا في نهاية الخمسينات من القرن الماضي, و في مجال التدريب و التعليم المهني00
أما في التعليم :
فإن ظهور الألعاب التربوية ارتبط عضويا بظهور المدارس حيث كان المدرسون يوظفون اللعب الإيهامي كتمثيل الأدوار المسرحية و تقمص الشخصيات من الواقع في حصصهم الدراسية ولم يتم الاهتمام باللعب التربوي كأسلوب تعليمي إلا في الستينات من القرن الماضي حيث أجريت بحوث عديدة حول أهمية هذا الأسلوب و أثره في تحقيق تعلم جيد00
تعريف اللعب التربوي:
من خلال هذه النظرة عن اللعب القول بأن إكساب اللعب قيمة تربوية يقتضي توافر ثلاثة شروط:
• ممارسته وفق قواعد محددة.
• تضمينه محتوى تعليمي معين.
• توفر عنصري المتعة و التسلية.
آثار و فوائد اللعب التربوي:
خلصت العديد من الدراسات التي أجريت حول آثار اللعب في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي إلى أن الألعاب التعليمية متى أحسن تخطيطها و تنظيمها و الإشراف عليها فإنها تؤسس مدخلا وظيفيا لمسار تعلمي فعال يتجاوز بكثير سلبيات نمط التعلم التقليدي ، ومن آثار أسلوب التعلم باللعب:
1. تيسير اندماج المحتوى التعليمي في عقول المتعلمين بفضل مخاطبته لأكثر من حاسة00
2. استثارة الجانب الانفعالي( متعة, حماس, ترقب, إثارة)00
3. تنمية القدرة التعبيرية لدى المتعلم00
4. تقوية مهارة حل المشكلات و صنع القرارات و لو على مستوى بسيط00
5. تنمية التفكير الإبداعي والابتكاري00
6. تنمية مهارة ربط المحسوس بالمجرد00
7. كسر حاجز الخجل لدى فئة عريضة من المتعلمين 00
8. تعزيز الانتماء للجماعة00
9. تعلم احترام القواعد و القوانين و الالتزام بها00
و نظرا لما يحدثه اللعب التربوي من تغيير في سلوك المتعلم فإن العديد من الباحثين دعوا إلى ضرورة إدماجه وفق مقاييس و شروط محددة تجنبا لأي انفلات قد يولد نتائج عكسية.
شروط توظيف اللعب التربوي:
إن بناء الدرس وفق أسلوب التعلم باللعب يقتضي مراعاة مقاييس محددة في اللعبة التربوية المختارة :
1. أن يكون لها هدف تعليمي محدد و في نفس الوقت مثيرة و ممتعة00
2. قواعدها سهلة وواضحة00
3. مناسبة لخبرات و قدرات و ميول المتعلمين00
4. مستمدة من بيئتهم و محيطهم00
وحتى تتوافر هذه المقاييس لا بد من دراية مسبقة لدى المدرس بالخطوات الإجرائية الواجب إتباعها لتصميم و استخدام أية لعبة تربوية , ومن هذه الخطوات الإجرائية :
1. تحديد الهدف العام للعبة: لأن ذلك يساعد على اختيار محتوى اللعبة و أدواتها و أسلوب تقديمها بشكل يلاءم استعدادات المتعلم و دوافعه و قدراته, كما يساعد على تحديد خطوات سير اللعبة مما يمكن من بلوغ الأهداف المتوقعة بأقل جهد و في أقصر وقت00
2. تحديد خصائص الفئة المستهدفة: أي مراعاة الخصائص الفسيولوجية و الاجتماعية و التربوية/المعرفية للمتعلمين , بالإضافة إلى مراعاة خبراتهم السابقة000
3. تحليل المحتوى التعليمي الذي تنطلق منه اللعبة: يتم تحليل المحتوى التعليمي ( الدرس) من جميع جوانبه مفاهيم, حقائق, إجراءات, مهارات من أجل توضيحها في اللعبة00
4. تحديد النتائج المتوقع من المتعلمين بلوغها: و ذلك من خلال وصف تفصيلي لما يتوقع من المتعلم تحصيله أو القيام به بعد اللعبة 00
5. تحديد الإستراتيجية المستعملة في اللعب: و يقتضي ذلك مراعاة حجم المجموعة , وتحديد عدد المشاركين , و تحديد الزمن الملائم لممارسة اللعبة في ضوء قواعد محددة00
6. وضع مخطط للعبة و تجريبه قبل المرور إلى التنفيذ: ويتطلب ذلك إخراج اللعبة في شكل فني بحيث تكون أداة لإثارة دافعية المتعلم للعب ومن ثم للتعلم, كما يتوجب أن تكون الرسالة التي تحملها اللعبة مثيرة للتفكير و ليست ملقنة للمعلومات. و بعد الانتهاء من الإعداد, لا بد من تجريبها على عينة من المتعلمين للحصول على تغذية راجعة فورية تفيد في تعديل قوانين اللعبة مثلا , و لتحديد التكلفة الزمنية بدقة وهو ما يخلص اللعبة من العفوية و الارتجال أثناء التنفيذ00
7. تنظيم البيئة الصفية و تنفيذ اللعبة: و يشمل ذلك إعداد الفصل بشكل يتناسب مع إستراتيجية اللعبة, ثم إجراؤها مع الحرص على الإشراف المستمر دون التدخل المباشر00
8. التقويم و المتابعة: و ذلك ضمانا لفعالية اللعبة في تحقيق الهدف المحدد, وزيادة فاعلية التعلم00
إن هذه الخطوات الإجرائية هي ما يمنح اللعب قيمته التربوية , ويمكنه من إحداث التأثير الجيد على سلوك المتعلم , كما يعين المدرس على إدارة الموقف التعليمي إدارة ذكية تقوم على التوجيه المشوق نحو الهدف المطلوب.
ومهما ان اختلفت وتنوعت الألعاب التربوية باختلاف مضمونها وأهدافها يجب أن نعترف صراحة إن صمود المدرسة في عالم متغير ومعقد , و استمرارها في أداء وظيفتها كحارسة للقيم , و مسئولة عن تشكيل هوية الطفل رهن بقدرتها على الاستقطاب و الاحتواء , و التكيف بصورة جذرية مع الطفرة التكنولوجية.