atef
المهنة : نقاط : 2873 تاريخ التسجيل : 26/07/2009
| موضوع: من أسرار القرآن السبت يناير 16, 2010 3:43 am | |
|
من أسرار القرآن بقلم:د. زغـلول النجـار |
| | 329فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا*[مريم:49] هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في منتصف سورة مريم, وهي سورة مكية, وآياتها ثمان وتسعون(98) بعد البسملة. | |
| | |
وقد سميت بهذا الاسم تكريما للسيدة مريم البتول التي أوردت السورة معجزة حملها بابنها عيسي دون أب, ووضعها إياه وليدا يتكلم وهو في المهد.ويدور المحور الرئيسي لسورة مريم حول قضية العقيدة الإسلامية ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية ـ هذا, وقد سبق لنا استعراض هذه السورة الكريمة, وما جاء فيها من ركائز العقيدة والإشارات العلمية, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز التاريخي في ذكر يعقوب ـ عليه السلام ـ في القرآن الكريم, بعد أن سبق لنا استعراض ذلك بالنسبة إلي ذكر أبيه إسحاق ـ عليه السلام ـ. من أوجه الإعجاز التاريخي في ذكر نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ جاء ذكر يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليهم السلام ـ ست عشرة مرة في كتاب الله, كما جاءت الإشارة إليه باسم إسرائيل( أي: عبدالله) مرتين[ آل عمران:93, مريم:58], بالإضافة إلي ذكره بوصفه أبا لنبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ أو لأحد إخوته, أو لهم جميعا في سورة يوسف. ومن ذلك قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عن عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ ما نصه: فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا* ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا [مريم:49 ـ50] وهاتان الآيتان الكريمتان جاءتا بعد حوار إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع أبيه, ذلك الحوار الهادئ الرصين من جانب إبراهيم, الابن المؤمن, المؤدب, اللطيف, المهذب, صاحب الرسالة السماوية الذي يحاول جهده هداية أبيه إلي الحق الذي جاءه من الله ـ تعالي ـ بأرق عبارة ممكنة, وبأفضل أساليب التودد والتحبب من ابن وفي لحقوق الأبوة, بار بها, والرد القاسي الجافي المشبع بالاستنكار والتهديد والوعيد من جانب الأب المشرك عابد الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب, الذي طرد ابنه من حضرته مهددا إياه بالقتل إن لم يعد إلي عبادة ما يعبد أبوه وقومه. ويرد الابن المؤمن البار الوفي إبراهيم ـ عليه السلام ـ علي أبيه بما يرويه القرآن الكريم: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا* وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسي ألا أكون بدعاء ربي شقيا[ مريم:47 ـ48]. وهنا تتنزل رحمات الله وفضله علي عبده إبراهيم الذي اعتزل أباه وأهله وقومه, وهجر دياره فرارا بدينه من بطش الجاهلين, وجهالة الكفار والمشركين فقال ـ تعالي ـ: فلما اعتزهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا* ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا [مريم:49 ـ50]. وإسحاق هو الابن الثاني لإبراهيم الذي رزقه الله ـ تعالي ـ إياه بمعجزة خارقة للعادة; لأنه وهب ذلك الابن الصالح علي الكبر من زوجته سارة التي كانت عجوزا عقيما, وذلك استجابة إلي دعاء إبراهيم وهو العبد الصالح والرسول الصالح جزاء جهاده في سبيل الدعوة إلي عبادة الله ـ تعالي ـ وحده. ويعقوب هو ابن إسحاق, وابن الابن يعتبر ابنا, خاصة إذا ولد في حياة جده, وهكذا كان يعقوب الذي نشأ في حجر جده, فتعلم منه الإسلام من قبل أن تأتيه النبوة, وهكذا كان أبوه إسحاق من قبله ولذلك قال ـ تعالي ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا[ مريم:50] أي فكانوا( إبراهيم وإسحاق ويعقوب) صادقين في دعوتهم, مصدقين من الذين آمنوا معهم, محفوفين منهم بما يليق بهم بمقام نبوتهم من الطاعة والاحترام والتكريم, وإن حاربهم أهل الكفر والشرك والضلال كما هي طبيعة الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل عبر التاريخ. ولم يذكر القرآن أية تفاصيل عن حياة نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ علي الرغم من ورود ذكره ست عشرة مرة في كتاب الله, ولكن تشير بعض الآثار إلي أنه ولد في فلسطين, ثم رحل إلي آرام من أرض بابل بالعراق, وتزوج هنالك من بنات خاله, ورزقه الله ـ تعالي ـ إثني عشر ولدا عرفوا باسم أسباط بني إسرائيل. ثم رحل يعقوب ـ عليه السلام ـ إلي مصر في زمن القحط الذي كان قد أصاب المنطقة العربية وذلك للحاق بولده يوسف ـ عليه السلام ـ الذي جعله الله ـ تعالي ـ علي خزائن مصر, ومات يعقوب بمصر, ولكن ولده يوسف نقله إلي مدينة الخليل, حيث تم دفنه فيها مع توءمه عيص الذي يعرف عند اليهود باسم(Esau). وعلي الرغم من إجمال القرآن الكريم لإشاراته عن نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ إلا أن درسا هائلا في العقيدة يمكن استقاؤه من موقف من المواقف الرئيسية في سيرة هذا النبي الصالح, وهو موقفه مع بنيه لحظة احتضاره والذي يصفه القرآن الكريم بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون* أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون[ البقرة:133,132]. وتمتدح أولي هاتين الآيتين الكريمتين نبي الله إبراهيم وحفيده يعقوب ـ عليهما السلام ـ إذ أمر الله ـ تعالي ـ عبده ورسوله إبراهيم بالإسلام فاستجاب علي الفور لأمر ربه, ولم يكتف بذلك, فذكر أبناءه بأن الله ـ تعالي ـ قد اصطفي لهم الإسلام دينا, ولذلك أوصاهم بالاستمساك بهذا الدين القويم الذي لا يرتضي ربنا ـ تبارك وتعالي ـ من عباده دينا سواه, وأخذ عليهم العهد ألا يموتوا إلا علي الإسلام الخالص القائم علي التوحيد الكامل لله ـ تعالي ـ وعلي تنزيهه ـ سبحانه ـ عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله, وكذلك فعل حفيده يعقوب ـ عليه السلام ـ مع بنيه فأوصاهم بالاستمساك بالإسلام وتطبيقه نظاما كاملا شاملا للحياة, والدعوة إليه, والموت عليه. أما الآية الثانية فتتوجه بالخطاب إلي الذين يدعون كذبا نسبتهم إلي هذا النبي الصالح: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليهم جميعا من الله السلام ـ فتقول لهم: هل كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت فعرفتم العقيدة التي مات عليها؟ ألا فلتعلموا أيها الضالون عن الحق حقيقة أن يعقوب ـ عليه السلام ـ حينما حضره الموت دعا إليه جميع بنيه وقال لهم: ما تعبدون من بعدي؟ قالوا:... نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون [البقرة:133]. وفي ذلك إعلان لوحدة رسالة السماء المنبثقة من وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ وتأكيد الأخوة بين الأنبياء, وهاتان الحقيقتان هما من القيم اللازمة لاستقامة الحياة علي الأرض, خاصة في زمن الفتن الذي يعيشه إنسان اليوم. وعلي الذين يتشدقون كذبا بالنسبة إلي إبراهيم ـ عليه السلام ـ تارة ـ وإلي يعقوب ـ عليه السلام ـ تارة أخري أن يقرأوا هاتين الآيتين الكريمتين ليدركوا أن الدين ليس ميراثا يورث, ولكنه قناعة قلبية وعقلية كاملة لا علاقة لها بالدم والنسب, وهو قرار يتخذه كل راشد بعد دراسة وتمحيص دقيق يصل به إلي تلك القناعة القلبية والعقلية الكاملة, وهو ـ قبل ذلك ـ مسئولية الآباء تجاه الأبناء, ولذلك يقول المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت[ سنن أبي داود]. ويرد ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي هؤلاء الذين يتخيلون أن الإيمان يمكن أن يكتسب بمجرد النسب بقوله الحق الذي يقول فيه: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين [آل عمران:67]. ويتضح لنا من هذا الاستعراض أن هذا الموقف الجليل من يعقوب ـ عليه السلام ـ وهو يعظ بنيه في لحظة احتضاره هو الدرس الأساسي المستفاد من عرض القرآن الكريم لسيرة هذا النبي الصالح. فيعقوب ـ عليه السلام ـ قد حضره الموت, وجاءته ساعة الاحتضار, وهي لحظة رهيبة تعد أصعب اللحظات التي يمكن للإنسان أن يمر بها في حياته; فهو يغادر الدنيا, يغادر الأهل والأبناء والأصحاب, يترك ثروته من ورائه ـ إن كانت له ثروة ـ لا يدري ماذا سيفعل بها, يترك داره إلي ظلمة القبر وضيقه, وإلي هول الحساب وشدته; يتذكر أعماله فيستغفر ويتوب عن السيئات, ويرجو قبول الحسنات, وترتجف فرائصه من المستقبل المجهول!! ولكن نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ لم يشغل باله شيء من ذلك بقدر ما شغله تثبيت أبنائه علي الإسلام الذي تعلمه من آبائه في الصغر, وعلمه الله ـ تعالي ـ إياه في الكبر, وأدرك أن هذا الدين هو طوق النجاة في الدنيا والآخرة, فأراد أن يكون الإسلام الخالص القائم علي التوحيد الكامل لله هو الميراث الذي يورثه لأبنائه, ووصيته الأخيرة لهم وهو في سكرات الموت ولحظات الاحتضار, والذي يأخذ عليه العهد منهم أن يعيشوا به, وأن يدعوا إليه, وأن يموتوا عليه, كي يكون قد أبرأ ذمته أمام الله, وحملهم أمانة المسئولية عن الإسلام. والدرس المستفاد من هذا الموقف الكريم هو إشعار كل والد بمسئوليته عن أولاده( صغارا وكبارا) وأن من أولويات تلك المسئولية أن يعرف كل واحد منهم عقيدته الصحيحة معرفة دقيقة, حتي يعيش بها, ويموت عليها فيحقق الهدف من وجوده في الحياة الدنيا: عبدا لله ـ تعالي ـ يعبده ـ سبحانه ـ بما أمره, ومستخلفا ناجحا في الأرض, مطالبا بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها, وهذا لا يمكن أن يتم بغير هداية ربانية, وهذه الهداية الربانية علمها الله ـ تعالي ـ لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه, وأنزلها علي سلسلة طويلة من أنبيائه ورسله, ثم أكملها وأتمها, وحفظها في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين, وسماها باسم الإسلام, ولذلك قال ـ تعالي ـ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب [آل عمران:19]. وقال ـ عز من قائل ـ: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ آل عمران:85]. وهذه الحقيقة هي من أروع جوانب الإعجاز العقدي في كتاب الله; لأن كل شيء في الوجود يشير إلي الوحدانية المطلقة للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ التي يقوم علي أساسها الإسلام دين الله. وموقف يعقوب ـ عليه السلام ـ مع بنيه لحظة احتضاره يمثل وجها من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله; لأن يعقوب ـ عليه السلام ـ عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد, وهذا الموقف الكريم منه استأثر به القرآن المجيد, ولم يرد له ذكر في كتب الأولين, فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|
| |
|
ayda
دعاء : سبحان الله العظيم عدد ما كان وعددماسيكون وعدد الحركات والسكون المهنة : نقاط : 7991 تاريخ التسجيل : 26/03/2009
| موضوع: رد: من أسرار القرآن الخميس مارس 18, 2010 2:08 am | |
| | |
|