المرأة والقرار في البيت
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
قال تعالى {وقرن في بيوتكن } ، قال ابن كثير في تفسيره :
أمر الله تعالى نساء النبي وغيرهن من النساء بالقرار في البيوت وعدم الخروج لغير حاجة .
وقال القرطبي في تفسيره { وقرن في بيوتكن } من وقر أي السكن ومن القرار ، ثم قال : معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء ، فكيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة .ا.هـ
ولقد نهجت نساء السلف منهج الاستجابة التامة لهذه الآية . قال القرطبي في تفسيره أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها !
وذكر أن سودة قيل لها : لمَ لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ فقالت قد حججت واعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي . قال الراوي فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها رضوان الله عليها .
قال ابن مسعود ما تقربت امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها .
قال ابن العربي لقد دخلت نيفاً على ألف قرية فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعف نساء من نساء نابلس التي رمي بها الخليل، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، ولقد رأيت في المسجد في الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه .ا.هـ [من تفسير القرطبي ] .
فيعلم من هذا أختي المسلمة أن الأصل للمسلمة هو لزوم البيت لا الخروج، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل على لزوم البيت في قوله صلى الله عليه وسلم (امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ) [رواه الترمذي وقال حديث حسن] ، فكيف بالمرأة التي يجب أن تحفظ وتصان عن الأنظار ؟
أختي المسلمة : إن في خروجك من بيتك مساوئ عدة منها مخالفة أمر الله تعالى الذي ما شرع أمرا إلا لحكمة يعلمها ، ولعلمه المحيط بعواقب الأمور وأنك عورة إذا خرجت استشرفك الشيطان، وأنه لا بد في بعض خروجك من خروج لأماكن عامة تختلطين فيها مع الرجال أو تخاطبينهم ، وأن هذا والله من أكبر نوازع الحياء، فإنه ينزع عنك جلباب الحياء رويدا رويدا .. فلكأني بالمرأة التي لا تكثر الخروج لا تتجرأ على محادثة الرجال وإلى النظر إليهم ، وإذا اضطرت إلى مقابلتهم في طريقها صدت عنهم وألزمت عينيها الأرض ، وأما إذا كثر خروجها فإنها تتجرأ على محادثة الرجال جرأة غير طبيعية لحاجة ولغير حاجة، وعلى النظر إليهم، بل إذا قابلتهم في طريقها اضطر الرجل مع الأسف إلى الابتعاد عنها من شدة جرأتها .
ثم أن خروجك أختي المسلمة فيه تجسيد للفتنة بك ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) [ رواه البخاري ومسلم] وأخص بذلك من تخرج متبرجة - بأي صورة من صور التبرج - ، فلا أظنك ترضين أن تكوني سبباً في فتنة مسلم أو انحرافه .
أختي المسلمة : أعلم أن الأمر بالقرار في البيت شاق على كل من اعتادت الخروج ولكن اغلقي سمعك عن كلام الناس وتعليقاتهم المثبطة، ثم سيري قدما نحو تطبيق أمر الله بالقرار في البيت وجاهدي نفسك على ذلك وستجدين من الله الإعانة والتيسير .
واعلمي أن الخير كل الخير في بقاءك في بيتك وانشغالك في تأدية حق زوجك وتربية أولادك، فما ربت الخراجة الولاجة أبناءها مثلك يا من لزمت بيتك ، فالأصل رسالة البيت، وبقدر ما تبتعد المرأة عن بيتها وتخرج - سواء لحاجة أو لغير حاجة - بقدر ما ينتج عنه خلل في الوظيفة الأساس للمرأة، شعرنا بذلك أم لم نشعر .
لما قيل له صلى الله عليه وسلم هل على النساء من جهاد ؟ قال : ( جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ) [ رواه أحمد وابن خزيمة في صحيحه ] ، قال ابن حجر : وإنما لم يكن الجهاد واجبا عليهن لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال ، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد . " الفتح 44606 "
وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله : سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراحا لصدرها، فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه . ا . هـ
ثم اعلمي أن الإسلام لا يدعو إلى شل قدراتك، بل إن من البارعات القادرات الداعيات العالمات من لازمن بيوتهن، فما كل من خرجت أنتجت ولا كل من لازمت بيتها فشلت . وقد حفل الإسلام بذكر شخصيات نسائية تفوقت في فن من الفنون وقد لزمن بيوتهن مثل حفصة بنت سيرين التي قال عنها مهدي بن ميمون : مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو قضاء حاجة