مناهج مدرسة المستقبل
يرى خبراء التربية والتعليم أن أي إصلاح تعليمي لا يستطيع أن يصل إلى المناهج الدراسية ويغير من محتواها لتناسب متغيرات العصر ، يحكم على هذا الإصلاح بالفشل ، فالمناهج تشكل المحور الرئيسي لكيف التعليم وجودته . ومن الملاحظ على المناهج الدراسية التي تقدم للطفل والشاب العربي أنها لا تمت بصلة لحياة هؤلاء في القرن الحالي . كما أن هذه المناهج تقدم بشكل مجزأ غير مترابط تركز على الجوانب المعرفية ، دون غيرها من الجوانب المهارية أو الوجدانية ، ويعتمد على التلقين والأساليب القهرية التي تتعمد على قتل القدرات النقدية لدى المتعلم وتكرس ثقافة الذاكرة والتماثل ، تلك الثقافة التي تعطل الطاقات الإبداعية لدى المتعلم(منتدى الفكر العربي ،ص113)
إن أريدَ لمدرسة المستقبل أ ن تكون فاعلة وديناميكية فلا بدّ أن تأخذ بمبدأ المرونة لمواكبة التطورات المتسارعة التي انبثقت عن الثورة المعرفية في مختلف فروع التكنولوجيا.وهناك محددات لتلك المناهج ينبغي الالتزام بها إذا أريد لها أن تحقق طموحات المجتمع والأفراد ومنها:
- الاهتمام بغرس أنماط سلوكية وقيمية مقبولة لدى المجتمع تحافظ على تماسكه في العقود القادمة المفعمة بمختلف ألوان التحدي .
- القدرة على تلبية متطلبات المجتمع وحاجاته من العمالة الماهرة والفنيين في الصناعات والشركات ومواكبة التطورات العلمية والاهتمام باستمرارية التدريب أثناء الخدمة.
- الاهتمام بالحاجات التي تقتضيها المشكلات الطارئة وذلك لتوعية الأجيال القادمة من المخاطر التي تعتري مسيرة المجتمع وتعترض طريق نهوضه وتقدمه.
حرصاً على حماية المجتمع من المخاطر والأمراض التي تحدق به فإن جماعات كثيرة ترى ضرورة أن يشمل المنهاج على مساقات تتعلق مثلاً بالتوعية المرورية ، والتوعية بمضار المخدرات ، وإدمان الكحول ، وطرق الوقاية من الأمراض المختلفة مثل الإيدز وطرق حماية المستهلك ، التوعية بمخاطر الأسلحة البيولوجية والنووية والدمار الشامل وثقافة السلام وقبول الرأي الأخر ...الخ. (بيوشامب،1420هـ)
إن مرونة المناهج ومواكبتها للتغيرات لا ينبغي لها أن تبتعد عن الثوابت إذ أ ن كثيراً من الدول ترى أن هناك معارف مشتركة وبرامج يجب أن يخضع لها كافة الطلاب بحيث يتم تزويد كل طفل بقاعدة معرفية واحدة بمعنى أن يكون للمناهج بعض المعايير والسمات القومية.وهكذا تكون هناك مواضيع مشتركة وفي نفس الوقت تتاح للمدرسة حرية اختيار بعض المناهج أو تصميم بعض المقررات التي تلائم خصوصية المنطقة الجغرافية والمستوى العام للطلاب .
إن المناهج الخاصة بمدرسة المستقبل يجب أن تمتاز بدافعيه عالية وذات صبغة أكثر تحدياً من التقليدي ، مناهج تركز على النوع وليس على الكم وتتصف بالدقة والتميز على أن يتم اختبارها ميدانياً لضمان الجودة وقابلية التنفيذ. وحتى تكون المناهج فاعلة ومتطورة ينبغي أن يواكبها استخدام فعّال للوسائط التفاعلية ( Interactive Multimedia ) المتعددة ، والبرمجيات ، وكافة الوسائط السمعية والبصرية.
على أن مسألة إقرار كتب مدرسية وفرض رقابة على كتب التاريخ والعلوم الاجتماعية أو أية مواد مخالفة للتقاليد والمعتقدات أو مواضيع مثيرة للجدل تعتبر قضية ذات حساسية لدى بعض الدول. ففي اليابان مثلاً رفع البروفيسور ليناجا سابورو دعوة " قضائية بالطعن في عدم دستورية نظام المصادقة على الكتب المدرسية".(بيوشامب،1420هـ)
ونجد أن شعار حيادية التعلم يتم استغلاله لمنع الترويج لبعض الأفكار الثورية أو التحررية في بعض المناطق.وفي دول كثيرة مثل هولندا لا يعتمد التعليم على نظام رسمي حيث لا تملي الحكومة أي منهج أو نصوص تعليمية معينة ولا تتبنى فلسفة تعليمية خاصة ، وإنما تكتفي بوضع القواعد الخاصة بمدة الدراسة ومستويات الإنجاز التي يجب تحقيقها.(مجلة المعرفة عدد 81 ص13)
وفي ظل هذا التوجّه يترك للمدارس حرية اختيار أسلوب التدريس المناسب وكذلك الكتب. لذلك تجد في بعض المدارس اهتماماً بالقضايا البيئية واللغات وهناك مرونة لإدخال مساقات خاصة بأبناء المجتمع المحلي وخاصة أبناء الأقليات حيث تقدم لهم برامج خاصة لضمان سرعة تأقلمهم واندماجهم بالمجتمع ، وتقدم للأطفال خدمات مجانية. ويترك لكل مدرسة مسألة بداية الحصة ونهايتها وكافة الأمور المتعلقة بالدوام المدرسي.
ففي هولندا ، على سبيل المثال ، يدرس الطالب خمس عشرة مادة إجبارية في التعليم الثانوي الأساسي مثل " اللغة الهولندية ، اللغة الإنجليزية ، اللغة الفرنسية أو الألمانية ، التاريخ والعلوم ، الجغرافيا ، الاقتصاد ، الرياضيات ، الفيزياء والكيمياء ، علم الأحياء ، المهارات الاجتماعية والحياتية ، الكمبيوتر وتقنية المعلومات ، التربية البدنية بالإضافة لاختيار مادتين من مواد مختلفة كالرسم ، الحرف اليدوية ، الحرف النسيجية ، الموسيقى الرقص أو الدراما "..(مجلة المعرفة عدد 81 ص13)
وهذا النموذج المطبق حالياً في هولندا يمكن أن تنتهجه مدرسة المستقبل مع شئ من التعديل لإدخال مواد علمية يفرضها التقدم التكنولوجي المتسارع. إن منهاج مدرسة المستقبل ينبغي أن يعمل على تكامل حقول المعرفة وربطها مع بعضها لتحقيق التطور المنشود.
وقد أكدّ بياجة على أهمية الابتكار في التعليم .وجدير بالذكر أن تقديم " مناهج موحدة لكل الطلاب لا يحقق ديمقراطية التعليم "(شحاته،2001)
إذ أن تطوير المناهج باستمرار في ضوء متغيرات المجتمع والتطور الحضاري يتطلب جهداً موصولاً لكي تكون المناهج متوافقة مع قدرات الطلاب وإمكانياتهم بحيث يكون هناك اهتمام بالمتفوقين والموهوبين ومتوسطي الإعاقة وبطيئي التعلم. بمعنى أن التنوع في المناهج منذ زمن مبكر أمر هام بالإضافة إلى الاهتمام بتوفير كادر متميز من المعلمين الملتزمين بتحقيق جودة في التعليم من خلال دافعيه عالية واستمرار وظيفي وتوفير جوّ من العمل بروح الفريق.
مناهج مدرسة المستقبل لا يقوى على تنفيذها إلا المعلم الكفء المؤهل أكاديميا وتربوياً وتكنولوجياً ، المهتم بالنمو المهني والإطلاع على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال تخصصه ، والمثابر على حضور الندوات العلمية ، والالتحاق بالدورات التدريبية.