تاريخ القدس (لا تشد الرحال الا الى ثلاثة، المسجد الحرام،و المسجد الاقصى،و مسجدي هذا).
و قد جاء الدين الاسلامي للدول التي دخلت الاسلام و منها القدس ،بتعاليم جديدة سياسية تمثلت بالشورى في الحكم ،و قانونية تتمثل بالقضاء المستقل ،و اجتماعية تتمثل بالمحافظة على حقوق الرعية الاجتماعية، و قومية، بجعل ركن الهوية الاجتماعية العروبة و الاسلام ، و القران دستور الامة ،و اللغة العربية لغتها بما اكد الصبغة القومية العربية لفلسطين و ساعد على ذلك هجرة القبائل العربية اليها و اهتمام خلفاء المسلمين بمكانتها الدينية و التاريخية ،ففي زمن الدولة الاموية ،كان اثنين من خلفاء بني امية ياخذون البيعة لهم في القدس،الاول معاوية بن ابي سفيان ،و الثاني سليمان بن عبد الملك ،و كان عمر بن عبد العزيز يطلب من ولاته التوجه للقدس ليقسموا يمين الطاعة و العدل في مسجدها ،و كان الكثير من الخلفاء المسلمين يمرون بالقدس بعد ادائهم فريضة الحج ومنهم المنصور و المهدي و غيرهما،و في عهد الدولة العباسية شهدت المدن الاسلامية و منها القدس،ازدهار علم الحديث ، و التفسير،و اصول الفقه،و سائر العلوم الدينية.
و قد شهد عهد بني امية بناء المسجد الاقصى و مسجد الصخرة و هو اوضح دليل على اهتمام الامويين بالقدس ،و تاكيدا على وجهها العربي و اهميتها الدينية و الحضارية.
و كثرة المساجد و دور العلم ، بما يدل على جوهر روح الاسلام القائمة على التوازن بين العقل و النقل و الشريعة و الحكمة ،وان تحرير صلاح الدين الايوبي للقدس يدل على مدى اهميتها بالنسبة للمسلمين .
كما اهتمت دولة المماليك (1250م ؟ 1516 م)بمركز القدس الديني ففي عهد الملك الظاهر بيبرس قام باحياء ذكرى الصحابة الاوائل و رجال الفتح مثل ابو عبيدة عامر بن الجراح ،و جعفر الطيار رضي الله عنهم الذين دفنوا في القدس و شيد مقامات لهم، كما ارسل بيبرس الآلات لترميم الحرم القدسي الشريف ،و ارسل الصدقات للحرمين الشريفين في القدس ومكة ،و ارسل العلماء للمدارس و المساجد في المدن الاسلامية و من مدارس القدس ،المدرسة الشافعية التي يذكر المقدسي ان الامام الغزالي اعتكف فيها لينجز كتابه (احياء علوم الدين).
اهم الاماكن المقدسة لدى المسلمين :
1. المسجد الاقصى : تم البدء في بناءه في عهد عبد الملك بن مروان و اتم بناءه الوليد بن عبد الملك سمي بهذا الاسم لبعده عن الخبائث او لبعد المسافة بينه و بين المسجد الحرام في مكة ،او لان موقعه يتوسط الدنيا ،و قد ورد ذكر المسجد الاقصى في القران الكريم في سورة الاسراء :
"سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير"و قد اهتمت الدول الاسلامية المتعاقبة في المسجد الاقصى فبقي يحتفظ برونقه على الرغم من قدمه حتى قال عنه المؤرخ هايتر لويس (المسجد الاقصى اجمل الاثار التي خلدها التاريخ) و تهتم الاردن حاليا بالرعاية و اعمال الترميم للحرم القدسي الشريف منذ عهد الشريف الحسين بن علي 1923 و حتى الآن .
2. مسجد الصخرة : بني هذا المسجد في عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان ،و يقع في وسط الحرم القدسي الشريف ، و فوق الصخرة التي يذكر المؤرخين بان النبي (صلعم) وقف عليها عندما صعد الى السماء و قد استعمل في بناءه و بناء المسجد الاقصى وزخرفتها فن الهندسة الاسلامية و زخارف الفسيفساء الهندسية و البنائية (الارابيسك) ARABESQUE و يصفه ابن بطوطة في كتابه(الرحلة) بقوله (يحار البصر في محاسنه) كما وصفه عالم الآثار و المؤرخ هارتمان باته ( نموذج للتناسق و الانسجام).
ومسجد الصخرة هو مزيج من الذوق العربي ومع الاستفادة من الاسلوب البيزنطي فقد عمل العرب و الروم في بناءه.
3. حائط البراق : و هو الجزء الجنوبي الغربي من جدار الحرم القدسي الشريف وهو من اوقاف ابي مدين الغوث و يدعي اليهود بانه حق لهم ،لانه جزء من هيكل سليمان ،مع ان علماء الآثار اليهود و غيرهم من علماء الآثار الاوروبيين و الامريكيين لم يجدوا في حفرياتهم جنوب الحرم القدسي الشريف اثرا لذلك الهيكل، بل وجدوا اثارا يبوسية ،و رومانية ،و اموية و فاطمية و صليبية و ايوبية و مملوكية و عثمانية لآلاف السنين من تاريخ القدس.
و قد قام صراع بين المسلمين و اليهود حول حائط البراق فاضطرت حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين الى تشكيل لجنة باسفيلد الدولية 1930م التي قدمت تقريرها لعصبة الامم المتحدة و قد صدر بعد ذلك القرارت التالية :
1. ان للمسلمين وحدهم الحق في ملكية الحائط الغربي لانه يشكل جزء من ساحة الحرم القدسي الشريف .
2. ان للمسلمين وحدهم الحق في ملكية الرصيف المقابل لحائط البراق.
و لكن الخلاف بقي مستمرا بين المسلمين و اليهود حتى عام 1967 عندما استولت اسرائيل على فلسطين التاريخية فوحدت شطري القدس لتعلن انها عاصمتها الموحدة والابدية ، و قامت اسرائيل بعمل ساحة كبيرة امام حائط البراق تتسع لآلاف المصلين .
4. مسجد عمر : اقيم هذا المسجد في جنوب الحرم القدسي الشريف حيث صلى عمر بن الخطاب بعد الفتح الاسلامي للقدس ، و لكن المسجد اندثر مع الزمن لانه بني من خشب و لبن.
اما اهم الاماكن المقدسة لدى المسيحيين فانها تعود الى زمن الامبراطور الروماني قسطنطين الذي كان اول من اعتنق المسيحية من اباطرة الرومان ، و هناك مئات من الاماكن المقدسة لدى المسيحيين في القدس التي شرع في بناءها المسيحيون منذ بداية محاكمة السيد المسيح .
و اهم الاماكن المقدسة عندهم هي :
1. كنيسة القيامة : و قد شيدها الامبراطور قسطنطين في وسط القدس، و يعتقد المسيحيون انها تضم قبر المسيح ، وفي نفس الوقت تم بناء كنيسة المهد في بيت لحم بالتعاون مع هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين و هناك كنائس اخرى بنيت زمن الرومان مثل كنيسة الصعود على جبل الزيتون ، و يعتقد المسيحيون بان المسيح صعد منها الى السماء ، كما تم بناء كنائس اخرى مثل مثل كنيسة العذراء ، وكنيسة القديسة حنة ،و كنيسة الجثمانية ،و كنيسة سيدتنا مريم....الخ،و في عهد الرومان تم تجديد بناء دير ابينا ابراهيم عليه السلام و منذ عهد قسطنطين اصبحت للقدس مكانة بارزة في التفكير المسيحي فاشتهرت فيها المدارس اللاهويتة ،التي تدرس الفلسفة و المنطق والهندسة و اللاهوت و القانون و التاريخ و المكتبات الضخمة التي ياتيها طالبي المعرفة من خارج فلسطين و استمر رجال الكنيسة في العهد الاسلامي على القدس منارا للمعرفة كما كانوا زمن الرومان.
2. درب الآلام : و يعرفه المؤرخين بانه الطريق الذي سلكه السيد المسيح مع الجنود الرومان في طريقهم لصلبة،و يبدأ هذا الطريق من جوار مدرسة راهبات صهيون في القدس و هو عبارة عن 14 مرحلة تنتهي بوادي جمجمة الذي يطلق عليه البعض اسم وادي جلجئة او وادي الموت.
و هناك الكثير من الكنائس و الاديرة ،و ما تم ذكره هو الاكثر اهمية لدى المسيحيين .
اما بالنسبة لليهود ، فان حائط البراق الذي يطلقون عليه حائط المبكى ،هو المكان المقدس لديهم و يذهبون للصلاه و البكاء هناك ،و يدعون انه من بقايا هيكل سليمان عليه السلام ،و هناك اختلاف بين اليهود حول مكان الهيكل، فطائفة السامرة (السامريون) اوكما يطلق عليهم العامة السمرة يقولون ان الهيكل بني فوق جبل جرزيم في نابلس ، و هناك طوائف اخرى تؤمن بانه يقع شمال القدس ،و البعض يؤمن بانه في تل القاضي (دان) و هكذا فان تعدد الآراء اليهودية في موقع الهيكل يوحي بوجود هياكل عديدة ،و تؤكد دائرة المعارف البريطانية بان تيطس عندما هدم القدس عام 70 م لم يبق على شيء من معالمها، لذا فانه لا يوجد ما يؤكد بان الهيكل كان موجود في اي من الحرم القدسي تحت المسجد الاقصى او الاماكن الاخرى و لم يرد ذكرالهيكل في القرآن الكريم .
و يوجد اماكن اخرى مقدسة لدى اليهود مثل قبر زكريا عليه السلام ، و قبر قدس الاقداس ، و العديد من الكنس(جمع كنيس) مثل كنيس المغاربة ،و كنيس الاسطنبولي و كنيس بيت الدين.
و يلاحظ ان القدس بعد الفتح الاسلامي و حتى سقوطها كاملة بيد اليهود عام 1967م ،بقيت مثالا للتسامح الديني ، فالكنس و الكنائس و المساجد تعمل بحرية لان الاسلام جاء متمما للديانات السماوية ولم يكن متناقضا معها ، ولم يستمر ابناء الديانات السماوية في ممارسة طقوسهم فحسب بل ساهموا جميعا في بناء الحضارة العربية الاسلامية.