الظروف التي أدت لتفاقم مشكلة الفقر في
مصر
إن نسبة الفقر في مصر نسبة لا يستهان
بها. وفيما أظهرته بعض الدراسات أن مستوى المعيشة في الحضر أعلى عنها في الريف،
كما أن الفقر أقل انتشارا في الحضر، ومع ذلك فإن شدة الفقر والتفاوت في توزيع
الدخول أعلى في الحضر عنها في الريف. ويتركز الفقر في الوجه القبلي عنه في محافظات
الوجه البحري.
وينفق محدودو الدخل نسبة أكبر من دخلهم تتراوح بين
57% و64% على الغذاء، مما يشير إلى أن وطأة إجراءات الإصلاح الاقتصادي تقع بدرجة أكبر
عليهم، نظرا لارتفاع أسعار الغذاء خلال عامي 90/1991 و91/1992
بمعدل أعلى من معدل التضخم مقاسا بالرقم القياسي العام
لأسعار المستهلك.
وقد حدث تحسن كبير في مستويات الدخل فيما بين
74/1975 و1981
و1982، إلا أن مستوى المعيشة هبط بعض الشيء في
90/1991 بالمقارنة بعام 81/1982، كما أن التفاوت في توزيع الدخل انخفض
في الفترة الأولى ولكنه اتجه إلى التزايد بعد ذلك، ولكن بدرجة أقل عما كان عليه
74/1975.
في أعقاب الأزمة الاقتصادية في الثمانينات، صممت مصر مع صندوق النقد الدولي
برنامجا للإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي للقضاء على الاختلالات الاقتصادية
وإعادة التوازنات الاقتصادية الأساسية ( مثل توازن ميزان المدفوعات - توازن موازنة
الدولة - تخفيض معدل التضخم )
باعتبارها شروط ضرورية لإخراج الاقتصاد المصري من عثرته
ووضعه في المسار الصحيح.
وقد تم تخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة عن طريق
زيادة كبيرة في الضرائب والرسوم وكذلك بتخفيض بعض بنود الإنفاق والدعم. ويتوقف الأثر
السلبي هنا على بعض فئات المجتمع في حجم نصيبهم النسبي في حالة استمرار أنماط
التمويل السابقة.
ويعترض بعض الاقتصاديين على استخدام الضرائب غير
المباشرة لما في ذلك من عبء على الطبقات محدودة الدخل ونظرا لما تتسم به هذه
الضرائب بخاصية التراجعية، حيث تتحمل الطبقات الفقيرة في النهاية العبء الأكبر من
تلك الضرائب.
وقد تزايد الفقر في مصر بصورة ملحوظة، سواء
إذا ما قيس بعدد الأسر التي تعيش عند مستوى الفقر أو أقل منه. وفي حين أن أقل
من 8% من السكان يعتبرون فقراء فقرا مدقعا ( يعيشون على أقل
من 1 دولار يوميا )، فقد أوضحت مسوح الاستهلاك في أوائل وحتى
منتصف التسعينات ارتفاع معدل الفقر الكلي، مع عدم قدرة 44% من السكان على
الإنفاق بشكل كافٍ للحصول على الحد الأدنى من الغذاء المناسب. كما أدى انخفاض
متوسط الدخول إلى انخفاض الإنفاق العائلي على الطعام.
ويمكن قياس
أثر برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي بشكل جيد من خلال معيار تكلفة
المعيشة. فقد زادت تكلفة المعيشة بسبب السياسة الرئيسية التي تم إتباعها، مثل إلغاء
الدعم، وتخفيض قيمة الجنيه، والزيادة في أسعار الطاقة والنقل والسلع التي كان
ينتجها القطاع العام ...
الخ، وزيادة الضرائب غير المباشرة وتوسيع
قاعدتها. وأصبح الدعم قاصرا على السلع أو الخدمات الاستهلاكية الأساسية، مثل المواد
الغذائية الأساسية والنقل.
وأدى تخفيض فاتورة الدعم للإضرار بالفقراء بشكل كبير،
طالما أن جزءا كبيرا من ميزانية الأسرة الفقيرة يتم إنفاقها على البنود الغذائية
الأساسية المدعمة.
كما أدى تخفيض قيمة الجنيه إلى زيادة أسعار
الطاقة. وهذا أدى لحدوث زيادة في سعر السلع المستوردة، بما في ذلك البنود الغذائية
الأساسية مثل القمح والدقيق، بالإضافة إلى أسعار السلع الرأسمالية والوسيطة
المستوردة. وأدى ذلك بالمقابل لزيادة تكاليف الإنتاج للسلع التي يتم إنتاجها محليا
والمستوى العام للأسعار، ومن ثم تكلفة المعيشة.
كما يمكن قياس أثر برنامج
الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي ثانيا من خلال ملاحظة الانخفاض في الدخول
الحقيقية الناتجة عن زيادات الأسعار. ويحصل العمال الفقراء - الذين في لغالب
هم أميون أو حاصلون على مستويات متدنية من التعليم - على دخول منخفضة
ويكونون أكثر تضررا بزيادات الأسعار. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدت السياسات المالية
والنقدية المتشددة والتخفيض في الإنفاق الحكومي - التي نتجت عن
إتباع العمل ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي - إلى التأثير
سلبيا على توفير فرص التوظيف.
وطالما أن الفقراء هم الأقل من حيث التعليم، وليس لديهم
اتصالات اجتماعية مؤثرة، فقد تكون فرص حصولهم على وظائف معدومة نسبيا حينما يتجه
سوق العمل للانكماش.
والمعيار الثالث لقياس أثر الإصلاح
الاقتصادي والتكييف الهيكلي على الفقراء هو من خلال الخدمات الاجتماعية التي توفرها
الحكومة عند مستوى منخفض للأسعار. وبالرغم من الزيادة في الاستثمار الحقيقي في
التعليم والصحة، فقد ظلت خدماتهما أقل من المستوى المتحقق في أواخر
الثمانينات. ومع الزيادة في عدد الطلاب والسكان، كانت النتيجة هي تدهور الاستثمار
الحقيقي بالنسبة لكل طالب وبالنسبة لكل فرد التعليم والصحة على الترتيب. وتبعا لذلك،
وبالرغم من أن الطلاب في جميع المستويات الآن يدفعون رسوما منخفضة، لا يمكن توقع أي
تحسن في نوعية التعليم الذي يتم توفيره، كما لا يمكن توقع توفير خدمات صحية ذات
جودة كافية ومعقولة عند الأسعار المدعمة.