قوله تعالى: (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) 197.
أخبرنا عمرو بن عمرو المزكي قال: حدثنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني يحيى بن بشير قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون: نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس
فأنـزل الله عز وجل: ( وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) وقال عطاء بن أبي رباح: كان الرجل يخرج فيحمل كله على غيره، فأنـزل الله تعالى: ( وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) .
قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكمْ جنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلا مِنْ رَبِّكمْ) الآية 198.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحِيري، عن شعيب بن عليّ الزَّراع قال: أخبرنا عيسى بن مساور قال: حـدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء بن المسيب، عن أبي أمامة التيمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم نُكْري في هذا الوجه، وإن قومًا يزعمون أنه لا حجّ لنا قال: ألستم تلبون؟ ألستم تطوفون؟ ألستم تسعون بين الصفا والمروة؟ ألستم ألستم؟ قال: قلت: بلى قال: إن رجلا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يدر ما يردّ عليه حتى نـزلت: ( لَيْسَ عَلَيْكمْ جنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلا مِنْ رَبِّكمْ) فدعاه فتلا عليه حين نـزلت. فقال: "أنتم الحُجّاج" .
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خشنام قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قـال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجرًا للناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا، ذلك حتى نـزلت: ( لَيْسَ عَلَيْكمْ جنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلا مِنْ رَبِّكمْ ) في مواسم الحج. وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله فأنـزل الله تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكمْ جنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلا مِنْ رَبِّكمْ) فاتجروا.
قوله تعالى: ( ثمَّ أَفِيضوا مِنْ حَيْث أَفَاضَ النَّاس ) 199.
أخبرنـا التميمي بالإسناد المتقدم الذي ذكرنا، عن يحيى بن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كانت العرب تفيض من عرفات، وقريش ومن دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام، فأنـزل الله تعالى: ( ثمَّ أَفِيضوا مِنْ حَيْث أَفَاضَ النَّاس ) .
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا قال أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السرخسي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أضللت بعيرًا لي يوم عرفة، فخرجت أطلبه بعرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا مع الناس بعرفة، فقلت: هذا من الحمس ماله هنا؟ !. قال سفيان: والأحمس: الشديد الشحيح على دينه، وكانت قريش تسمى الحمس، فجاءهم الشيطان فاستهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخفّ الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بالمزدلفة، فلما جاء الإسلام أنـزل الله عز وجل: ( ثمَّ أَفِيضوا مِنْ حَيْث أَفَاضَ النَّاس ) يعني عرفة. رواه مسلم عن عمرو الناقد عن ابن عيينة.
قوله تعالى: ( فَإِذَا قَضَيْتمْ مَنَاسِكَكمْ فَاذْكروا اللَّهَ كَذِكْرِكمْ آبَاءَكمْ ) الآية 200.
قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنـزل الله تعالى: (فَاذْكروا اللَّهَ كَذِكْرِكمْ آبَاءَكمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ). وقال الحسن: كانت الأعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا. فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يعْجِبكَ قَوْله فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا ) الآية 204.
قال السُّدّي نـزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأظهر له الإسلام وأعجب النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الإسلام، والله يعلم إني صادق، وذلك قوله: ( وَيشْهِد اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنـزل الله تعالى فيه: ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيفْسِدَ فِيهَا وَيهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ).
قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَه ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) الآية 207.
قال سعيد بن المسيّب: أقبل صهيب مهاجرًا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين، فنـزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه، ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم قالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبا يحيى ربح البيع ربح البيع"، وأنـزل الله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَه ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيبًا فعذبوه، فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى، فقال صهيب: وبيعك فلا يخسر، ما ذاك؟ فقال: أنـزل الله فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية.
وقال الحسن: أتدرون فيمن نـزلت هذه الآية؟ في أن المسلم يلقى الكافر فيقول له: قل لا إله إلا الله فإذا قلتها عصمت مالك ودمك فأبى أن يقولها فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله فتقدم فقاتل حتى يقتل. وقيل: نـزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر. قال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنساناً يقرأ هذه الآية فقال عمر: إنا لله قـام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
قوله عز وجل: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا ادْخلوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) الآية 208.
أخبرني أبو نعيم الأصبهاني فيما أذن لي في روايته عنه: أخبرنا سليمان بن أحمد حدثنا بكر بن سهل حدثنا عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: نـزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوي على هذا وهذا وقالوا للنبيّ لله صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتمْ أَنْ تَدْخلوا الْجَنَّةَ ) الآية 214.
قال قتادة والسدي: نـزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والحرّ والخوف والبرد وسوء العيش وأنواع الأذى، وكان كما قال الله تعالى: ( وَبَلَغَتِ الْقلوب الْحَنَاجِرَ) وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتدّ الضرّ عليهم، بأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسرّ قوم من الأغنياء النفاق، فأنـزل الله تعالى تطييبًا لقلوبهم ( أَمْ حَسِبْتمْ ) الآية.
قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ مَاذَا ينْفِقونَ ) الآية 215.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نـزلت فى عمرو بن الجموح الأنصاري وكان شيخًا كبيرًا ذا مال كثير، فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق؟ وعلى من ننفق؟ فنـزلت هذه الآية.
وقال في رواية عطاء: نـزلت الآية في رجل أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي دينارًا فقال: "أنفقه على نفسك" فقال: إن لي دينارين، فقال: "أنفقهما على أهلك " فقال: إن لي ثلاثة فقال: "أنفقها على خادمك" فقال: إن لي أربعة، فقال: "أنققها على والديك" فقال: إن لي خمسة، فقال: "أنفقها على قرابتك" فقال: إن لي ستة فقال: "أنفقها في سبيل الله، وهو أحسنها".
قوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) الآية 217.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نَخْلَة، ووجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم بقي في الشهر الحرام، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم: لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوا لطمع أَشْفَيْتُم عليه. فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا، فشدّوا على ابن الحضرميّ فقتلوه وغنموا، عيره فبلغ ذلك كفار قريش، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قُتِلَ بين المسلمين وبين المشركين، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالـوا: أتحلّ القتال في الشهر الحرام؟ فـأنـزل الله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قلْ قِتَال ) إلى آخر الآية .
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قـال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش، ومعه نفـر من المهاجرين، فقتل عبد الله بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب، وأسروا رجلين واستاقوا العير، فوقف على ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: "لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام"، فقالت قريش: استحلّ محمد الشهر الحرام فنـزلت: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) إلى قوله: ( وَالْفِتْنَة أَكْبَر مِنَ الْقَتْلِ ) أي قد كانوا يفتنونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله، قال الزهري: لما نـزل هذا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير، ونادى الأسيرين ولما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند الله من ثوابه، فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله؟ فأنـزل الله تعالى فيهم: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنوا وَالَّذِينَ هَاجَروا وَجَاهَدوا ) الآية.
قال المفسرون: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش- وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم - في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدمه المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص الزهري وعكاشة بن محصن الأسدي وعتبة بن غزوان السلمي وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسهيل بن بيضاء وعامر بن ربيعة وواقـد بن عبد الله وخالد بن بكير، وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتابًا وقال: "سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين فإذا نـزلت منـزلين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امض لما أمرتك، ولا تستكرهن أحدًا من أصحابه على المسير معك"، فسار عبد الله يومين، ثم نـزل وفتح الكتاب فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنـزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منه بخبر" فلما نظر عبد الله الكتاب قال: سمعًا وطاعة، وقال لأصحابه ذلك، وقال: إنه قد نهاني أن أستكره واحدًا منكم.
حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع وقد أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما كانا يعتقبانه فاستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما فأذن لهما فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصل بطن نخلة بين مكة والطائف، فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسـان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ونوفل بن عبد الله المخزوميان؛ فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا: قوم عمار، فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة وكانوا يرون أنه من جمادى أو هو رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا: لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وكان أول قتيل من المشركين، واستأسر الحكم وعثمان، فكانا أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل وأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
فقالت قريش: قد استحلّ محمد الشهر الحرام شهرًا يأمن فيه الخائف ويبذعرّ الناس في معايشهم فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، فقالوا: يا معشر الصبَاة استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه؟ وتفاءلت اليهود بذلك وقالوا: واقد وقدت الحرب وعمرو عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لابن جحش وأصحابه: "ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام"، ووقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أن قد هلكوا، وسقط في أيديهم وقالوا: يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أو في جمادى، وأكثر الناس في ذلك.
فأنـزل الله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، فكان أول غنيمة في الإسلام وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم، فقال: بل نَقفهما حتى يقدم سعد وعتبة، وإن لم يقدما قتلناهما بهما، فلما قدما فاداهما؛ وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيدًا؛ وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة، فمات بها كافرًا؛ وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين، فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعًا، فقتله الله تعالى، وطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية"، فهذا سبب نـزول قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) والآية التي بعدها.
|