تربية الأبناء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … وبعد
إن الأبناء هبة ونعمة من الله سبحانه وتعالى، يسر الفؤاد برؤيتهم، وتقر العين بمشاهدتهم وتسعد الروح بفرحهم، وكان من دعاء زكريا عليه السلام {رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين} . والبنون زينة الحياة الدنيا ولا يعرف عظم هذه النعمة إلا من حُرمها، فتراه ينفق ماله ووقته في سبيل البحث عن علاج لما أصابه .
وأنت كأم مسؤولة عن هذه الأمانة التي حملك الله إياها .
إنها أمانة تربية أبنائك،والتي تسألين عنها يوم القيامة، أحفظت أم ضيعت؟ وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين وحسن الخلق، وإلا كانت وبالاً على الوالدين في الدنيا والآخرة.
وقد اشتد حرص السلف على مباشرة هذه المهمة - مهمة تربية الأبناء -، كما ذكر أن الخليفة العباسي المنصور بعث إلى من في السجن من بني أمية يقول لهم :ما أشد ما مر بكم في هذا السجن ؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا .
إذاً يلزمني وإياك أمور مما يخص سن فوق سبع سنوات، وذلك في الجانب الإيماني والاجتماعي أما التربوي فكثير ،ولكن مجالنا لا يتسع لذكره فأهم تلك الأمور:-
1. احرصي على سلامة عقيدتهم مما يشوبها ، فجنبيهم لبس الحروز والتمائم وقراءة الكف وغير ذلك من أمور الكهانة، وعظمي في قلوبهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وما أظن تفشي شوائب العقيدة تلك كقراءة الكف بين الطالبات في المدارس إلا بسبب جهل الوالدين أو تساهلهم في توجيه أبنائهم وتوعيتهم .
2. احرصي على غرس الإيمان في قلوبهم ورقابة الله عليهم . وتأملي وصايا لقمان لابنه {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله } وذكريهم أن الله يراقبهم ومطلع على أعمالهم ، فعن ثابت بن قيس رضي الله عنه قال : أتى علي رسول الله وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا ، فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك ؟ فقلت : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ، فقالت: وما حاجته؟ قلت: إنها سر . قالت: لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً . قال أنس: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك به يا ثابت [رواه مسلم] . فانظري يا رعاك الله إليها لم تعاقبه حين أخفى عنها كما يفعل بعضهن، بل إن بعضهن تكثر السؤال عليه حول خاصة البيوت التي يدخلها وما يحدث عندهم ، فتغرس في نفسه الفضول وإفشاء الأسرار وهي لا تعلم .
3. ذكريهم دوماً بأنه عزيز ذو انتقام لمن عصاه، وأنه غفور رحيم لمن تاب وأناب .. وذكريهم بالموت وشدته ، والقبر وظلمته، والقيامة وأهوالها ، حثيهم على الطاعات وخصوصاً الصلاة، وراقبيهم فيها وأيقظيهم من النوم لها، وعظمي شأنها في قلوبهم ، واحذري من الرحمة التي تحول دون إيقاظهم والتي توردك وإياهم النار والعياذ بالله . وهنيئاً لتلك الأم الكبيرة في السن التي تمسك بيد ولدها ذي التسع سنوات خوفاً عليه وتذهب به إلى المسجد لأداء صلاة الفجر مع الجماعة ، وتجلس عند باب المسجد إلى أن تقضى الصلاة ثم تعود به معها . عوديهم الصيام في صغرهم ليسهل عليهم إذا بلغوا ، وأشعريهم بمراقبة الله لهم ، فالصيام أعظم مُربٍّ لهم لاستشعار مراقبة الله .
4. راقبي أبناءك فلا تدعيهم يتساهلون بالمنكرات وأنت تعلمين ، فلا تسكتي وأنت تعلمين أن ابنتك تسمع الغناء وتضع المناكير وتتوضأ دون أن تزيله، أو أنها تنتف شعر حاجبها أو تقص شعرها القصات المحرمة، أو تخل بشيء من الحجاب الشرعي أو تتساهل فيه فتزين عباءتها أو تضعها على كتفها، أو تتعطر عند خروجها، أو تظهر شيئاً من بدنها، أو تذهب إلى السوق أو الأماكن العامة بمفردها، أو تركب مع السائق بمفردها، أو تتساهل بلبس العاري والقصير والمفتوح ولو أمام النساء، أو تقتني المجلات الهدامة ، وحذاري أن تجعلي الهاتف في غرفتها الخاصة وراقبيها عن بعد ، وإياك والثقة المفرطة ومن الوساوس التي ربما تؤثر على البنت فتفقدها الثقة بنفسها .
ثم احذري أيتها الأم الفاضلة من احتجاجك بعدم قدرتك عليها أو أنك كارهة لهذا المنكر والكره كافٍ .. بل كوني قوية في الحق لا ترضين بباطل، لينة هشة فيما عدا ذلك . وتذكري دوماً قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (ومن كانت له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار ) .
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : والإحسان إلى البنات يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن وتنشئتهن على الحق والحرص على عفتهن . وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره ، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور ، إلى غير ذلك من وجوه الإحسان حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله والبعد عما حرم الله والقيام بحق الله سبحانه وتعالى ، وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط . بل المراد ما هو أكبر من ذلك من الإحسان إليهم في عمل الدين والدنيا . وقال رحمه الله : إن الحديث عام للأب والأم