أدب التخاطب
علمتنا الأيام ألا نخاطب الناس علي قدر عقولهم ! , بل علينا أن نخاطب الناس علي قدر عقولنا !! .
فكلما كان الخطاب ثريا في لغته , حريا في أسلوبه , متزنا في موضوعه , متقنا في إخراجه , كلما عبر عن صدق التوجه واحترام المتلقي وسمو الخلق .
ولغة الخطاب لغة حوارية بين الكاتب والقارئ بمعني أن القارئ من خلال القراءة يشعر بصدق وأمانة وسمو فكر الكاتب , أو يشعر بسوقية المفردات , وانحطاط الأسلوب , ورداءة معدن الكاتب , أو عدم الواقعية في الكتابة والشطح في أحلام اليقظة أو إسقاطات من الغيبوبة العقلية !!
وعلي الكاتب أن يحترم فكر وعقل وقلب القارئ , فلا ينحاز إلي فئة قليلة , أو يتحدث بحديث فيه نقائص , أو يفرض رؤيته علي غيره حتى لا يضطر الآخرون لنبذه أو إلقائه في قمامة الثقافة !! .
بل يجب أن يعرض الكاتب بضاعته بموضوعية وحيادية وحيثية وعلمية وحرفية حتى تتحقق جودة المكتوب , وينآي بنفسه عن التقوقع داخل ذاته , ويربأ بنفسه أن يكون موضع شبهة ويتقبل كل صنوف البضائع المطروحة شريطة أن تتحقق فيها المعايير القيمية والتربوية والأخلاقية الرفيعة .
وعندما وضع ميثاق شرف للمثقفين روعي فيه احترام خصوصية القارئ , في علمه وعقيدته ومأكله وملبسه وخصوصياته الأسرية والاجتماعية , ولكن لا يعني هذا منع نقد النقائص من الأفعال والجنوح بالسلوك وكشف المفسدين والخارجين علي القانون بأسانيد دامغة وبلغة قاطعة .
وبناء وتشكيل الرأي العام في اتزان أخلاقي وديني أحد مهام الكتاب والمثقفين , بدلا من البحث عن النقائص واجترار السلبيات وجلد الذات .
ليس المطلوب هو جلد الذات بقدر ما هو مطلوب من السمو بالذات ,
ليس المطلوب هو نكأ الجراح بقدر ما هو مطلوب من تضميد للجراح ,
ليس المطلوب هو محاكاة الخلاعة والإسفاف وصنوف الفنون الهابطة بقدر ما هو مطلوب من تشكيل الذوق العام علي الفضائل والنبل .
ليس المطلوب هو السلبية السياسية بقدر ما هو مطلوب من مشاركة إيجابية وتفاعل اجتماعي بدلا من البكاء المستمر علي أطلال الماضي وأنين الحاضر وأضغاث أحلام المستقبل !! .
كثير من المثقفين والكتاب يغضون أعينهم عن الظواهر السلبية حتى إذا تفاقمت ولم يعد لها ردود نبدأ في النقد والتناقض مع النفس , فأين كنا طوال هذه السنوات التي تبدل وتغير الحال من مجتمع ديني علماني متحرر من التبعية متوازن القوي سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا إلي مجتمع متزمت فوضوي مختنق مترامي الأطراف العلمية والثقافية والفنية والمادية والأخلاقية , فأنت تري كل صنوف العجائب داخل منظومة المجتمع قد تداخلت وتشابكت وتحوصلت وتلعبكت بحيث لم يعد لها من دون الله كاشفة !! , ويتحمل مسئولية تفاقم هذه الظواهر فئة الكتاب والمثقفين بوصفهم صفوة المجتمع ودفة السلطة !!!!
فقد عشنا فترة الستينات والسبعينات التي كان المثقفون والكتاب والمفكرون هم المشكلون لوجدان الشعب وهم المدافعين عن حقوقه ومكتسباته , أما الآن فقد سلبت إرادة المثقفين إما بهروبهم من واقعهم المادي المتدني أو بتسلقهم سلالم السلطة بنعيمها أو هجرتهم إلي الخارج انسحابا من المواجهة .
وبالتالي تغير الحال وانتكست الديموقراطية وتركت المواجهة مباشرة بين فلول الشعب الغلبان وبقايا المنتفعين من نفايات السياسة القديمة من أهل الجاه والسلطان !!
فأنت تسمع عن سكان ما يسمي بمارينا وما أدراك من هم , في الوقت الذي تسمع فيه عن فئات تتشحتف علي شربة ماء أو رغيف خبز أو بؤرة ضوء أو حتى خيمة بعيدا عن مساكنة المقابر !!
وأنت تسمع عن محظيين استولوا علي أموال البنوك وشيدوا بها مدنا سياحية علي طول سواحل مصر معظمها لا يباع ولا يشتري لفداحة ثمنها , أو قاموا بتهريبها للخارج , في الوقت الذي يتعثر الشباب في الحصول علي قروض ميسرة لبناء مشروعاتهم الصغيرة ,
وأنت تسمع عن خريجين من نوع( سكرتو) أي من ذوات الملاحق وال50% تبوءوا أرقي الوظائف السيادية في القضاء والنيابة والبنوك والشركات لا لشيء إلا لأنهم أبناء المحاسيب , وتركوا الفائقين والمتفوقين وأوائل الدفعات ملقون في الشوارع وفي مهب الريح لأنهم من أبناء الطبقة الاجتماعية الرديئة والذين سيكونون بمثابة نقط حبر أسود في ثوب ناصع البياض لو تم تعيينهم !!
وأنت تشاهد صاغرا ما تم من بتر لمكاسب الطبقات العاملة ( في الدستور) وتحويله إلي تحقيق مصالح فئات بالمجتمع لا يربطها به إلا السلب والنهب أو حتى التهرب من دفع الضرائب أو تغيير النشاط من حين لآخر !!
وأنت تشاهد أن القطاع الخاص قد ابتلع القطاع العام في معيته وانقض علي مكاسبه ليبيعها بأبخث الأثمان ليسدد بها فوائد الدين العام للبنوك أو للمقرضين أو إنشاء بني أساسية لأصحاب رءوس المال !
كل ذلك وغيره الكثير تم بكامل وإرادة ورغبة المثقفين والكتاب , إن لم يكن هم المنظرين لهذا الفكر الرأسمالي في مجتمع يئن من البطالة وأمراض العصر اللعينة وانحدار مستوي التعليم .
لقد اندار الكثير من المثقفين والكتاب إلي سحق الذات والبكاء علي الماضي وقهر الحاضر والتفكير في اللامعقول والانتماء للأفكار الشاذة والتي يترتب عليها المزيد من الانهزام الداخلي وانتصار قوي الإمبريالية في تحقيق خططها التوسعية في سحق ا لخصوصية العربية ودمج الهوية الإسلامية في بوتقة الثقافات الغربية مما يضعف الروابط الأصيلة للشخصية العربية المسلمة , وكل ذلك من وجهة نظري مسئولية الكتاب والمثقفين الذين هم بمثابة عقل وقلب ووجدان الأمة
مع تحياتي