موضوع: كتـاب الصيـام 11 السبت أغسطس 22, 2009 9:00 pm
631/ وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصبح جنباً من جماع، ثم يغتسل ويصوم) . هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه فقال : حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث عن أبيه عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما . وقال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن عائشة وأم سلمة . ولم يذكر في هذا الإسناد عن أبيه ورواه مسلم أيضاً من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث عن أبيه . والحديث يدل على صحة صيام من أصبح جنباً ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فليس هناك ارتباط بين الغسل قبل طلوع الفجر وبين الصيام وبمنزلة الجنب الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر يصح صومها ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر وكذلك النفساء وأنها بمنزلة الحائض والجنب، وهذه المسألة وقع بها خلاف في صدر الأمة الأول وذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أصبح أحدكم جنباً فلا يصم يومه ) رواه الإمام أحمد وغيره وبه قال الشعبي وطائفة قليلة من الفقهاء، ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه حين سُئل عن هذا الحديث هل سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعته من الفضل. والحديث ترك العمل به أكابر العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة فقالت طائفة بأنه منسوخ بحديثي عائشة وأم سلمة السابق . وقالت طائفة أخرى بأنه يفطر يوماً استحباباً لا إيجاباً . وقال البخاري رحمه الله في صحيحه حين ذكر حديث أبي هريرة وقبله حديث عائشة وأم سلمة والأول أسند كأنه رحمه الله يشير إلى تقديم حديث عائشة وأم سلمة . وهذا هو الحق . وقد اندرس الخلاف الأول واستقر إجماع المسلمين على أن من أصبح جنباً وقد نوى الصيام قبل الفجر أن صومه صحيح ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، وبمنزلة الجنب الحائض والنفساء . وقد استدل بحديث الباب طائفة من أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لايحتلم لأن الإحتلام من الشيطان، وقد جاء في بعض طرق الحديث ( يصبح جنباً من غير إحتلام ) وهذا مذهب ابن عباس رضي الله عنهما . وقد استدل بالحديث نفسه أيضاً طائفة أخرى على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتلم وإلا لم يكن لقول عائشة وأم سلمة ( من غير احتلام ) معنى إذا كان لايحتلم فقد أرادتا أن تميزا بين جماعه وبين احتلامه ولذلك قالت طائفة قليلة في صدر الأمة الأول بالتفريق بين من أصبح جنباً فهذا من فعله وبين من أصبح محتلماً والحق أنه لافرق بين من أصبح جنباً وبين من أصبح محتلماً فيتم صومه ولاقضاء عليه ولاكفارة بل ولايستحب على القول الراجح قضاء هذا اليوم إذا لم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح . والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم لايحتلم لأن الإحتلام من الشيطان والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشيطان فلا يأمره إلا بخير . 632/ وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) . .متفق عليه قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا محمد بن خالد قال حدثنا محمد بن موسى بن أعين قال حدثنا أبي عن عمرو بن الحارث عن عبيدالله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها به . وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب قال خبرنا عمرو بن الحارث به . وفي الباب ماجاء في الصحيحين من طريق مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله إن أمي قد توفيت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لوكان على أمك دين أكنت قاضيه قال نعم قال فدَيْنُ الله أحق أن يُقضى) . وفي رواية ( وعليها صوم نذر ) . وقد قال بعض أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى يحمل حديث عائشة على حديث ابن عباس فقد جعل الإمام أحمد رحمه الله هذه القضية من قضايا حمل المطلق على المقيد وقد قال في المراقي . وحمل مطلق على ذاك وجب إنْ فيهما اتحد حكم السبب فحديث عائشة في مطلق الصيام وحديث ابن عباس في صيام النذر فرأى الإمام أحمد رحمه الله أنه لايقضى عن الميت إلا صيام النذر ونظير هذا القول قول أبي حنيفة رحمه الله بأنه لايصام عن الميت أبداً لاصيام نذر ولاغيره وذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه يصام عن الميت الصيام الواجب سواءً كان نذراً أم صيام رمضان إذا مات وعليه بقية من الشهر لم يتمكن من صيامها لمرض ونحوه وليس المعنى أنه إذا مات في رمضان يتمم عنه بقية الشهر هذا غلط مثل هذا الفعل لايشرع فيه الصيام إنما المعنى إذا توفي وعليه بقية من صيام رمضان قد فاتته لم يصمها وأصحاب هذا القول لم يروا حمل المطلق على المقيد لأن حديث ابن عباس واقعة عين ولأن السائل حين سأل أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم على وفق سؤاله بينما حديث عائشة في تقرير قاعدة كلية لجميع الأمة بأن من مات وعليه صيام صام عنه وليه وهذا حديث عام لايصح تقييده بمثل خبر بن عباس .